لقد خلق الله عز وجل
الناس أحراراًَ، فلكل شخص حرية المعتقد والقول والفعل ، وكل سوف يحاسب على
معتقده وما قاله وما فعله. ومفهوم الحرية لابد أن يكون ذو أسس وضوابط نعيها
ونفهمها ونتعلمها ونعلمها لمن خلفنا حتى تكون هي الحرية الإسلامية التي من
الممكن أن نعتمد عليها
حدثنا أبو نعيم حدثنا زكرياء
قال سمعت عامرا يقول سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنهما
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل القائم على حدود الله
والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها
فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو
أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا
جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا رواه البخاري
نستدل من هذا الحديث إلى أمرين :
الأمر الأول: أن الحرية ليست حرية مطلقة وانه لابد لها من ضوابط منها :
أ.
أن الحرية منحها الله عز وجل لعباده فلا يجوز أن يتحدوا ربهم بالتطاول على
دينه وشرعه ورسله ، ولذا فإن الشرع يحد من الحرية الشخصية التي تتطاول
وتعتدي وتستهزئ وتسخر.
ب. حرية الإنسان تنتهي حينما تبدأ حرية الآخرين
فلا يجوز أن تعتدي على حريات الناس أو حقوقهم او تصيبهم بضرر بدعوى أنك
حر، فكما لك حرية فإن للناس أيضا حرية كما قال عمر بن الخطاب لعمرو بن
العاص: ((متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا))
ج. حرية
العقيدة لا تخولك إن تعتدي على حريات الآخرين من سب أو شتم أو استهزاء
بمعتقداتهم كما حدث من استهزاء بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الدنمرك
أو من بابا الفاتيكان عندما صور النبي صلى الله عليه وسلم بأنه نبي الإرهاب
والقتل. وبما كان في ذلك مضره دون منفعة وقد نهى الله عز وجل عن سب اله
المشركين حتى لا يسبوا الله عدوا بغير علم قال تعالى : (وَلَا تَسُبُّوا
الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا
بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ
إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
د.
إن الحرية الشخصية لا تعني الإساءة إلى عادات وتقاليد الآخرين ، كما انه
لا يجوز لشخص إباحي متحرر أن يخرج عاريا مثلا لان هذا فيه اعتداء على حريات
الآخرين بما يشاهدوه سواء كان هذا رجالا أو أمراه.
ه. إن القانون يحد
من الحرية الشخصية إذا كان في ذلك مخالفة له، بل يعاقب من خالفه باسم
الحرية الشخصية، فكيف يكون القانون فوق الشرع ومقدماً على أوامر الله
تعالى. وقد وقع الغرب في هذه المفارقة العجيبة فقد سمحوا بإيذاء المسلمين
في دينهم ورسولهم صلى الله عليه وسلم باسم حرية التعبير، ومن جهة أخرى
أصدروا القوانين وحددوا عقوبات على من يتحدث منكراً المحارق الصهيونية
المزعومة على سبيل المثال.
الأمر الثاني: إن انضباط الحرية
والتزامها باحترام المعتقدات وعدم إيذاء الآخرين لا يتحقق إلا بالأخذ بمبدأ
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا ما يشير إليه الحديث الشريف
المذكور بقوله: ((فإن تركوهم وأمرهم هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم
نجوا جميعاً)).
ذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يضع الأمور
في نصابها ويمنع المخالفين والمخطئين من العدوان على حق الله وحقوق العباد
وقد رأينا ما حل في الغرب من انهيار خلقي باسم الحرية المطلقة وليس هناك
من ينكر أو يمنع.
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أساس من أسس
كيان الأمة الإسلامية، قال تعالى: ((ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير
ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)) وفي الحديث: ((لتأمرن بالمعروف
ولتنهؤن عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب
لهم)).
ولنعلم أن خيرية هذه الامة أمة الإسلام هي أمة الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ
أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ
لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ
الْفَاسِقُونَ )