تعد قصة إسلام أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها من القصص الفريدة في التراث الإسلامي، فقد روى ابن سعد في الطبقات أنه لما وقعت في السبي، جاء أبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابنتي لا يُسبى مثلها؛ فأنا أكرم من ذاك، فخل سبيلها، فقالأرأيت إن خيّرناها، أليس قد أحسنّا؟)، قال: بلى، وأدّيت ما عليك، فأتاها أبوها فقال: إن هذا الرجل قد خيّرك فلا تفضحينا، فقالت: فإني اخترت رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
وقد نشأت جويرية بنت الحارثـ واسمها قبل الإسلام برة ـ سيدة نساء قومها، وكان أبوها سيد وزعيم بني المصطلق، وقد عاشت في بيت أبيها، وقد تزوجت في وقت مبكر من سنها من مسافع بن صفوان أحد فتيان خزاعة وكانت لم تتجاوز العشرين من عمرها.
وكانت رضي الله عنها ضمن سبي بني المصطلق الذين غزاهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) وكان قد قتل زوجها في هذه الغزوة، ووقعت في سهم ثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عمه، فكاتبت على نفسها لكونها أبية وسيدة نساء قومها، ولم يكن معها ما كاتبت عليه فذهبت إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليعينها على ذلك، فرد عليها بما هو أفضل؛ إذ عرض عليها الزواج منها وقضاء مكاتبتها، فأجابت بالقبول وأسلمت وحسن إسلامها.
وتروي السيدة عائشة رضي الله عنها أن السيدة جويرية فرحت بالزواج من النبي صلى الله عليه وسلم فرحا شديدا وتألق وجهها لما سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولما سوف تلاقيه من أمان من بعد الضياع والهوان حين أجابته بالقبول دون تردد أو تلعثم: "نعم يا رسول الله". فتزوجها النبي (صلى الله عليه وسلم) وأصداقها 400 درهم.
وتضيف السيدة عائسة: فلما بلغ المسلمين ذلك قالوا: أصهار رسول الله! فأرسلوا ما كان في أيديهم من سبايا بني المصطلق، وقالت: لقد عتق بتزويجه مائة أهل بيت من بني المصطلق، قالت: "فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها".
وبعد زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم ظهر أثر الرسول(صلى الله عليه وسلم) واضحا في حياتها وسلوكها، فقد أعدها لتكون أمّا للمؤمنين، فتأثرت به رضي الله عنها في عبادتها، فكانت تصوم من النوافل الكثير، حتى صامت يوم جمعة منفردا وأمرها الرسول (صلى الله عليه وسلم) بأن تفطر، وكانت تظل تذكر الله بعد الفجر حتى الشروق كما كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يفعل ذلك.
وحذت السيدة جويرية حذو أمهات المؤمنين في الصلاة والعبادة وكانت تقتبس من الرسول (صلى الله عليه وسلم) ومن أخلاقه وصفاته الحميدة حتى أصبحت مثلا في الفضل والفضيلة، حتى كانت من العابدات القانتات السابحات الصابرات وكانت مواظبة على الذكر والتسبيح.
وعن ابن عباس قال: قالت جويرية بنت الحارث خرج النبي (صلى الله عليه وسلم) وأنا في مصلاي، فرجع حين تعالى النهار وأنا فيه فقال: "لم تزالي في مصلاك منذ خرجت؟" قلت: نعم، قال: "قد قلت أربع كلمات ثلاث مرات لو وزن بما قلت لوزنتهن: "سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته"رواه مسلم.
وكانت بعض زوجات النبي يقلن لها إنها ملك يمين وليست زوجة، فشكت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، وقالت: إن أزواجك يفخرن عليّ، يقلن: لم يتزوجك رسول الله إنما أنت ملك يمين، فقال رسول الله: "ألم أعظم صداقك؟ ألم أعتق أربعين رقبة من قومك؟".
وكانت لها جهدها في رواية الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حدث عنها ابن عباس، وعبيد بن السباق، وكريب مولى ابن عباس ومجاهد وأبو أيوب يحيى بن مالك الأزدي وجابر بن عبد الله.
وقد بلغ مسندها في كتاب بقي بن مخلد سبعة أحاديث منها: أربعة في الكتب الستة، عند البخاري حديث، وعند مسلم حديثان. وقد تضمنت مروياتها أحاديث في الصوم، في عدم تخصيص يوم الجمعة بالصوم، وحديث في الدعوات في ثواب التسبيح، وفي الزكاة في إباحة الهدية للنبي صلى الله عليه وسلم.
توفيت السيدة جويرية بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين في أثناء حكم معاوية رضي الله عنه، وصلى عليها مروان بن الحكم وهو يومئذ والي المدينة.